الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}، {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ}، أَيْ: يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ سَيَّرَ لَهُمُ الْجِبَالَ بِهَذَا الْقُرْآنِ. وَقَالُوا: هُوَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَجَعَلُوا جَوَابَ "لَوْ " مُقَدَّمًا قَبْلَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى مَعْنَى قِيلِهِمْ: وَلَوْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ، لَكَفَرُوا بِالرَّحْمَنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} قَالَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ وَسَّعْتَ لَنَا أَوْدِيَةَ مَكَّةَ، وَسَيَّرْتَ جِبَالَهَا، فَاحْتَرَثْنَاهَا، وَأَحْيَيْتَ مَنْ مَاتَ مِنَّا، وَقُطِّعَ بِهِ الْأَرْضُ، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى! فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}، قَوْلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ: سَيِّرْ جِبَالَنَا تَتَّسِعُ لَنَا أَرْضُنَا فَإِنَّهَا ضَيِّقَةٌ، أَوْ قَرِّبْ لَنَا الشَّأْمَ فَإِنَّا نَتَّجِرُ إِلَيْهَا، أَوْ أَخْرِجْ لَنَا آبَاءَنَا مِنَ الْقُبُورِ نُكَلِّمُهُمْ! فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ قَالُوا: لَوْ فَسَحْتَ عَنَّا الْجِبَالَ، أَوْ أَجْرَيْتَ لَنَا الْأَنْهَارَ، أَوْ كَلَّمْتَ بِهِ الْمَوْتَى! فَنَـزَلَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالُوا: سَيِّرْ بِالْقُرْآنِ الْجِبَالَ، قَطِّعْ بِالْقُرْآنِ الْأَرْضَ، أَخْرِجْ بِهِ مَوْتَانَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قَالُوا: لَوْ فَسَحْتَ عَنَّا الْجِبَالَ، أَوْ أَجْرَيْتَ لَنَا الْأَنْهَارَ، أَوْ كَلَّمْتَ بِهِ الْمَوْتَى! فَنَـزَلَ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}. قَالَ: وَجَوَابُ "لَوْ " مَحْذُوفٌ اسْتُغْنِيَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ الْمُرَادَ مِنَ الْكَلَامِ عَنْ ذِكْرِ جَوَابِهَا. قَالُوا: وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: فَلَـوْ أَنَّهَـا نَفْسٌ تَمُـوتُ سَـرِيحَةً *** وَلَكِنَّهَـا نَفْسٌ تَقَطَّـعُ أَنْفُسَـا وَهُوَ آخَرُ بَيْتٍ فِي الْقَصِيدَةِ، فَتَرَكَ الْجَوَابَ اكْتِفَاءً بِمَعْرِفَةِ سَامِعِهِ مُرَادَهُ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: فَأُقْسِـمُ لَـوْ شَـيْءٌ أَتَانَـا رَسُـولُهُ *** سِـوَاكَ وَلَكِـنْ لَـمْ نَجِـدْ لَـكَ مَدْفَعَا ذِكْرُ مَنْ قَالَ نَحْوَ مَعْنَى ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}، ذَكَرَ لَنَا أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا: إِنْ سَرَّكَ يَا مُحَمَّدُ، اتِّبَاعُكَ أَوْ: أَنْ نَتْبَعَكَ فَسَيِّرْ لَنَا جِبَالَ تِهَامَةَ، أَوْ زِدْ لَنَا فِي حَرَمِنَا حَتَّى نَتَّخِذَ قَطَائِعَ نَخْتَرِفُ فِيهَا، أَوْ أَحِي لَنَا فُلَانًا وَفُلَانًا! نَاسًا مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فأَنْـزَلَ اللَّهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}، يَقُولُ: لَوْ فُعِلَ هَذَا بِقُرْآنٍ قَبْلَ قُرْآنِكُمْ لَفُعِلَ بِقُرْآنِكُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَذْهِبْ عَنَّا جِبَالَ تِهَامَةَ حَتَّى نَتَّخِذَهَا زَرْعًا فَتَكُونَ لَنَا أَرْضِينَ، أَوْ أَحْيِ لَنَا فُلَانًا وَفُلَانًا يُخْبِرُونَنَا: حَقٌّ مَا تَقُولُ! فَقَالَ اللَّهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ لَهُ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}، يَقُولُ: لَوْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ فِيمَا مَضَى كَانَ ذَلِكَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الْآيَةَ، قَالَ: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيِّرْ لَنَا الْجِبَالَ كَمَا سُخِّرَتْ لِدَاوُدَ، أَوْ قَطِّعْ لَنَا الْأَرْضَ كَمَا قُطِّعَتْ لِسُلَيْمَانَ، فَاغْتَدَى بِهَا شَهْرًا وَرَاحَ بِهَا شَهْرًا، أَوْ كَلِّمْ لَنَا الْمَوْتَى كَمَا كَانَ عِيسَى يُكَلِّمُهُمْ، يَقُولُ: لَمْ أُنْـزِلَ بِهَذَا كِتَابًا، وَلَكِنْ كَانَ شَيْئًا أُعْطِيَتْهُ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الْآيَةَ، قَالَ: قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ وَاجْعَلْهَا حُرُوثًا كَهَيْئَةِ أَرْضِ الشَّأْمِ وَمِصْرَ وَالْبُلْدَانِ، أَوِ ابْعَثْ مَوْتَانَا فَأَخْبِرْهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَاتُوا عَلَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ! فَقَالَ اللَّهُ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}، لَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ بِقُرْآنٍ قَطُّ وَلَا كِتَابٍ، فَيَصْنَعَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقُرْآنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {أَفَلَمْ يَيْأَسِ}. فَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَلَمْ يَعْلَمْ وَيَتَبَيَّنْ وَيَسْتَشْهِدْ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ سُحَيْمِ بْنِ وَثِيلٍ الرِّياحيِّ: أَقُولُ لَهُـمْ بالشِّـعْبِ إِذْ يَأْسِـرُونَنِي *** أَلَـمْ تَيْأَسُـوا أَنِّـي ابْـنُ فَارِسِ زَهْدَمِ وَيُرْوَى: "يَيْسِرُونَنِي "، فَمَنْ رَوَاهُ: "يَيْسِرُونَنِي" فَإِنَّهُ أَرَادَ: يَقْتَسِمُونَنِي، مِنَ "الْمَيْسِرِ "، كَمَا يُقَسَّمُ الْجَزُورُ. وَمَنْ رَوَاهُ: "يَأْسِرُونَنِي "، فَإِنَّهُ أَرَادَ الْأَسْرَ، وَقَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: "أَلَمْ تَيْأَسُوا "، أَلَمْ تَعْلَمُوا. وَأَنْشَدُوا أَيْضًا فِي ذَلِكَ: أَلَـمْ يَيْـأَسِ الْأقْـوَامُ أَنِّـي أَنَـا ابْنُـهُ *** وَإِنْ كُـنْتُ عَـنْ أَرْضِ الْعَشِـيرَةِ نَائِيَا وَفَسَّرُوا قَوْلَهُ: "أَلَمْ يَيْأَسْ ": أَلَمْ يَعْلَمْ وَيَتَبَيَّنْ؟ وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الْكَلْبِي أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ لِحَيٍّ مِنَ النَّخَعِ يُقَالُ لَهُمْ: وَهْبِيلٌ، تَقُولُ: أَلَمْ تَيْأَسْ، كَذَا بِمَعْنَى: أَلَمْ تَعْلَمْهُ؟ وَذُكِرَ عَنِ الْقَاسِمِ ابْنِ مَعْنٍ أَنَّهَا لُغَةُ هَوَازِنَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: "يَئِسْتُ كَذَا "، عَلِمْتُ. وَأَمَّا بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ فَكَانَ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: "يَئِسْتُ "بِمَعْنَى: "عَلِمْتُ ". وَيَقُولُ هُوَ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا: "يَئِسْت" بِمَعْنَى: عَلِمْتُ يَتَوَجَّهُ إِلَى ذَلِكَ إِذْ أَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا، فَقَالَ: "أَفَلَمْ يَيْأَسُوا عِلْمًا "، يَقُولُ: يُؤْيِسْهُمُ الْعِلْمُ، فَكَأَنَّ فِيهِ "الْعِلْمَ " مُضْمَرًا، كَمَا يُقَالُ: قَدْ يَئِسْتُ مِنْكَ أَنْ لَا تُفْلِحُ عِلْمًا، كَأَنَّهُ قِيلَ: عَلِمْتُهُ عِلْمًا قَالَ: وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: حَـتَّى إِذَا يَئِـسَ الرُّمَـاةُ وَأَرْسَلُوا *** غُضْفًا دَوَاجِـنَ قَـافِلًا أَعْصَامُهَـا مَعْنَاهُ: حَتَّى إِذَا يَئِسُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يُمْكِنُ، إِلَّا الَّذِي ظَهَرَ لَهُمْ، أَرْسَلُوا، فَهُوَ فِي مَعْنَى: حَتَّى إِذَا عَلِمُوا أَنْ لَيْسَ وَجْهٌ إِلَّا الَّذِي رَأَوْا وَانْتَهَى عِلْمُهُمْ، فَكَانَ مَا سِوَاهُ يَأْسًا. وَأَمَّا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى: أَفَلَمْ يَعْلَمْ وَيَتَبَيَّنْ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ، عَنْ [مَوْلَى مَوْلَى بَحِيرٍ] أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأُ: "أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} يَقُولُ: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ أَوْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: "أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا "؛ قَالَ: كَتَبَ الْكَاتِبُ الْأُخْرَى وَهُوَ نَاعِسٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى. زَعَمَ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِ: "أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ ". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} يَقُولُ: أَلَمْ يَتَبَيَّنْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا}، يَقُولُ: يَعْلَمُ. حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَلَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ آمَنُوا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} قَالَ: أَلَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ آمَنُوا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: إِنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ: "أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ وَيَعْلَمْ "، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَبْيَاتِ الَّتِي أَنْشَدْنَاهَا فِيهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إذًا: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سِوَى هَذَا الْقُرْآنِ كَانَ سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ، لَسُيِّرَ بِهَذَا الْقُرْآنِ، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ لَقُطِّعَتْ بِهَذَا، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى، لَكُلِّمَ بِهَذَا، وَلَكِنْ لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ بِقُرْآنٍ قَبْلَ هَذَا الْقُرْآنِ فَيُفْعَلَ بِهَذَا {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}، يَقُولُ ذَلِكَ: كُلُّهُ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى الْإِيمَانِ فَيُوَفِّقُهُ لَهُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَخْذُلُهُ، أَفَلَمْ يَتَبَيَّنِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِذْ طَمِعُوا فِي إِجَابَتِي مَنْ سَأَلَ نَبِيَّهُمْ مَا سَأَلَهُ مِنْ تَسْيِيرِ الْجِبَالِ عَنْهُمْ، وَتَقْرِيبِ أَرْضِ الشَّأْمِ عَلَيْهِمْ، وَإِحْيَاءِ مَوْتَاهُمْ أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَادِ آيَةٍ، وَلَا إِحْدَاثِ شَيْءٍ مِمَّا سَأَلُوا إِحْدَاثَهُ؟ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَا مَعْنَى مَحَبَّتِهِمْ ذَلِكَ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْإِهْلَاكَ إِلَيَّ وَبِيَدِي، أَنْـزَلْتُ آيَةً أَوْ لَمْ أُنْـزِلْهَا؛ أَهْدِي مَنْ أَشَاءُ بِغَيْرِ إِنْـزَالِ آيَةٍ، وَأُضِلُّ مَنْ أَرَدْتُ مَعَ إِنْـزَالِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَلَا يَزَالُ) يَا مُحَمَّدُ (الَّذِينَ كَفَرُوا)، مِنْ قَوْمِكَ {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا} مِنْ كُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ، وَإِخْرَاجِهِمْ لَكَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ (قَارِعَةٌ)، وَهِيَ مَا يُقَرِّعُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْعَذَابِ وَالنِّقَمِ، بِالْقَتْلِ أَحْيَانًا، وَبِالْحُرُوبِ أَحْيَانًا، وَالْقَحْطِ أَحْيَانًا (أَوْ تَحُلُّ)، أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، يَقُولُ: أَوْ تَنْـزِلْ أَنْتَ {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ} بِجَيْشِكَ وَأَصْحَابِكَ {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} الَّذِي وَعَدَكَ فِيهِمْ، وَذَلِكَ ظُهُورُكَ عَلَيْهِمْ وَفَتْحُكَ أَرْضَهُمْ، وَقَهْرُكَ إِيَّاهُمْ بِالسَّيْفِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ مُنْجِزُكَ، يَا مُحَمَّدُ مَا وَعَدَكَ مِنَ الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا] أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} قَالَ: سَرِيَّةٌ {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: مُحَمَّدٌ {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، قَالَ: فَتْحُ مَكَّةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ "سَرِيَّةً ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، قَالَ: "الْقَارِعَةُ ": السَّرِيَّةُ، {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، قَالَ: فَتْحُ مَكَّةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، أَنَّ خُصَيْفًا حَدَّثَهُمْ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: نـَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي سَرَايَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ تَحُلُّ)، أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ {قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، قَالَ: سَرِيَّةٌ {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، يَقُولُ: عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ يَنْـزِلُ عَلَيْهِمْ {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، يَعْنِي: نُزُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ وَقِتَالَهُ إِيَّاهُمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، تُصَابُ مِنْهُمْ سَرِيَّةٌ، أَوْ تُصَابُ مِنْهُمْ مُصِيبَةٌ أَوْ يَحُلُّ مُحَمَّدٌ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ وَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} قَالَ: الْفَتْحُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ شَبَابَةَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: (قَارِعَةٌ)، قَالَ: السَّرَايَا. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (قَارِعَةٌ) قَالَ: مُصِيبَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، قَالَ: الْفَتْحُ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (قَارِعَةٌ)، قَالَ: كَتِيبَةٌ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، قَالَ: سَرِيَّةٌ {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} أَيْ بِأَعْمَالِهِمْ أَعْمَالِ السُّوءِ وَقَوْلُهُ: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، وَوَعْدُ اللَّهِ: فَتْحُ مَكَّةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: (قَارِعَةٌ)، قَالَ: وَقِيعَةٌ {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: أَوْ تَحُلُّ أَنْتَ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، قَالَ: سَرِيَّةٌ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، قَالَ: السَّرَايَا، كَانَ يَبْعَثُهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، قَالَ: فَتْحُ مَكَّةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، قَالَ: كَتِيبَةٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ}، قَالَ: قَارِعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، تَحُلُّ الْقَارِعَةُ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: (أَوْ تَحُلُّ الْقَارِعَةُ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ). حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ،: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ}، قَالَ: أَوْ تَحُلُّ الْقَارِعَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ}، هُوَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} قَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ يَسْتَهْزِئْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ وَيَطْلُبُوا مِنْكَ الْآيَاتِ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، فَاصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ لَكَ وَامْضِ لِأَمْرِ رَبِّكَ فِي إِنْذَارِهِمْ، وَالْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَلَقَدِ اسْتَهْزَأَتْ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكَ قَدْ خَلَتْ فَمَضَتْ بِرُسُلِي، فَأَطَلْتُ لَهُمْ فِي الْمَهَلِ، وَمَدَدْتُ لَهُمْ فِي الْأَجَلِ، ثُمَّ أَحْلَلْتُ بِهِمْ عَذَابِي وَنِقْمَتِي حِينَ تَمَادَوْا فِي غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عِقَابِي إِيَّاهُمْ حِينَ عَاقَبَتْهُمْ، أَلَمْ أُذِقْهُمْ أَلِيمَ الْعَذَابِ، وَأَجْعَلْهُمْ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ؟ وَ "الْإِمْلَاءُ "فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، الْإِطَالَةُ، يُقَالُ مِنْهُ: "أَمْلَيْتُ لِفُلَانٍ "، إِذَا أَطَلْتُ لَهُ فِي الْمَهَلِ، وَمِنْهُ: "الْمُلَاوَةُ مِنَ الدَّهْرِ "، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: "تَمَلَّيْتُ حَبِيبًا، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ: "الْمَلَوَان" لِطُولِهِمَا، كَمَا قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ: أَلَا يَـا دِيَـارَ الْحَـيِّ بِالسَّـبُعَانِ *** أَلَـحَّ عَلَيْهَـا بِـالْبِلَى الْمَلَـوَانِ وَقِيلَ لِلْخَرْقِ الْوَاسِعِ مِنَ الْأَرْضِ: "مَلًا "، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَـأَخْضَلَ مِنْهَـا كُـلَّ بَـالٍ وَعَيِّـنٍ *** وَجِـيفُ الرَّوَايَـا بِـالْمَلَا الْمُتَبـاطِنِ لِطُولِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَامْتِدَادِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أفَالرَّبُ الَّذِي هُوَ دَائِمٌ لَا يَبِيدُ وَلَا يَهْلِكُ، قَائِم بِحِفْظِ أَرْزَاقِ جَمِيعِ الْخَلْقِ، مُتَضَمِّنٌ لَهَا، عَالِمٌ بِهِمْ وَبِمَا يَكْسِبُونَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ، رَقِيبٌ عَلَيْهِمْ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ أَيْنَمَا كَانُوا، كَمَنْ هُوَ هَالِكٌ بَائِدٌ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَفْهَمُ شَيْئًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَمَّنْ يَعْبُدُهُ ضُرًّا، وَلَا يَجْلِبُ إِلَيْهِمَا نَفْعًا؟ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ؟ وَحَذَفَ الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقُلْ، وَقَدْ قِيلَ {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}: كَكَذَا وَكَذَا، اكْتِفَاءً بِعِلْمِ السَّامِعِ بِمَا ذَكَرَ عَمَّا تَرَكَ ذِكْرَهُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ}، عُلِمَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: كَشُرَكَائِهِمُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا آلِهَةً. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: تَخَـيَّرِي خُـيِّرْتِ أُمَّ عَـالِ *** بَيْـنَ قَصِـيرٍ شِـبْرُهُ تِنْبَـالِ أَذَاكَ أَمْ مُنْخَـرِقُ السِّـرْبَالِ *** وَلَا يَـزَالُ آخِـرَ اللَّيـالِي مُتْلِـفَ مَـالٍ وَمُفِيدَ مَـالِ *** وَلَمْ يَقُلْ وَقَدْ قَالَ: "شَبْرُهُ تِنْبَالِ "، وَبَيْنَ كَذَا وَكَذَا، اكْتِفَاءً مِنْهُ بِقَوْلِهِ: "أَذَاكَ أَمْ مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ "، وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَنِ الْمُنْخَرِقِ السِّرْبَالِ عَلَى مُرَادِهِ فِي ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، ذَلِكُمْ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَائِمٌ عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَرْزَاقِهِمْ وَآجَالِهُمْ، وَحَفِظَ عَلَيْهِمْ وَاللَّهِ أَعْمَالَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، قَالَ: اللَّهُ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ، يَقُولُ: هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ، فَلَا يَعْمَلُ عَامِلٌ إِلَّا وَاللَّهُ حَاضِرُهُ. وَيُقَالُ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ وُكِلُوا بِبَنِي آدَمَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، وَعَلَى رِزْقِهِمْ وَعَلَى طَعَامِهِمْ، فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ قَائِمٌ، وَهُمْ عَبِيدِي، ثُمَّ جَعَلُوا لِي شُرَكَاءَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ فَرَجٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}، فَهُوَ اللَّهُ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسِ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، يَرْزُقُهُمْ وَيَكْلَؤُهُمْ، ثُمَّ يُشْرِكُ بِهِ مِنْهُمْ مَنْ أَشْرَكَ. وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنَا الْقَائِمُ بِأَرْزَاقِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُدَبِّرُ أُمُورَهُمْ، وَالْحَافِظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ، وَجَعَلُوا لِي شُرَكَاءَ مِنْ خَلْقِي يَعْبُدُونَهَا دُونِي، قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: سَمُّوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَشْرَكْتُمُوهُمْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا: آلِهَةٌ فَقَدْ كَذَبُوا؛ لِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ لَا شَرِيكَ لَهُ {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضُ}، يَقُولُ: أَتُخْبِرُونَهُ بِأَنَّ فِي الْأَرْضِ إِلَهًا، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ}، وَلَوْ سَمَّوْهُمْ آلِهَةً لَكَذَبُوا وَقَالُوا فِي ذَلِكَ غَيْرَ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ. قَالَ اللَّهُ: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} يَقُولُ: لَا يَعْلَمُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ إِلَهَا غَيْرَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ}، وَاللَّهُ خَلَقَهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ}، وَلَوْ سَمَّوْهُمْ كَذَبُوا وَقَالُوا فِي ذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ، مَا مِنْ إِلَهٍ غَيْرَ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ}. وَقَوْلُهُ: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}، مَسْمُوعٍ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ بَاطِلٌ لَا صِحَّةَ لَهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: (أَمْ بِظَاهِرٍ)، مَعْنَاهُ: أَمْ بِبَاطِلٍ، فَأَتَوْا بِالْمَعْنَى الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلِمَةُ دُونَ الْبَيَانِ عَنْ حَقِيقَةِ تَأْوِيلِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}، بِظَنٍّ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}، وَالظَّاهِرُ مِنَ الْقَوْلِ: هُوَ الْبَاطِلُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}، يَقُولُ: أَمْ بِبَاطِلٍ مِنَ الْقَوْلِ وَكَذِبٍ، وَلَوْ قَالُوا قَالُوا الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ. وَقَوْلُهُ: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا لِلَّهِ مِنْ شَرِيكٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَلَكِنْ زُيِّنَ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِي يَدَّعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا، مَكْرُهُمْ، وَذَلِكَ افْتِرَاؤُهُمْ وَكَذِبُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: مَعْنَى "الْمَكْرِ "، هَهُنَا: الْقَوْلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: يَعْنِي قَوْلَهُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ}، قَالَ: قَوْلُهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ}، فَإِنَّ الْقَرَأةَ اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَتِهِ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةٌ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ: {وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ}، بِضَمِّ "الصَّادِ "، بِمَعْنَى: وَصَدَّهُمُ اللَّهُ عَنْ سَبِيلِهِ لِكُفْرِهِمْ بِهِ، ثُمَّ جُعِلَتِ "الصَّادُ " مَضْمُومَةً إِذْ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَأَمَّا عَامَّةُ قَرَأَةِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ، فَقَرَأُوهُ بِفَتْحِ "الصَّادِ "، عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ هُمُ الَّذِينَ صَدُّوا النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقَرَأَةِ، مُتَقَارَبَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ كَانُوا مَصْدُودِينَ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُمْ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. [الْأَنْفَالِ: 36] وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَنْ إِصَابَةِ الْحَقِّ وَالْهُدَى بِخِذْلَانِهِ إِيَّاهُ، فَمَا لَهُ أَحَدٌ يَهْدِيهِ لِإِصَابَتِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَالُ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ، وَذَلِكَ بِيَدِ اللَّهِ وَإِلَيْهِ دُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْإِسَارِ وَالْآفَاتِ الَّتِي يُصِيبُهُمُ اللَّهُ بِهَا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ}، يَقُولُ: وَلَتَعْذِيبُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ تَعْذِيبِهِ إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا. "وَأَشَقُّ "إِنَّمَا هُوَ "أَفْعَل" مِنَ الْمَشَقَّةِ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنْ أَحَدٍ يَقِيهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِذَا عَذَّبَهُمْ، لَا حَمِيمٌ وَلَا وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرٌ؛ لِأَنَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ لَا يُعَادُّهُ أَحَدٌ فَيَقْهَرُهُ، فَيَتَخَلَّصَهُ مِنْ عَذَابِهِ بِالْقَهْرِ، وَلَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَيْسَ يَأْذَنُ لِأَحَدٍ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ فَمَاتَ عَلَى كُفْرِهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ مِنْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مُرَافِعِ "الْمَثَلِ "، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: الرَّافِعُ لِلْمَثَلِ قَوْلُهُ: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، فِي الْمَعْنَى، وَقَالَ: هُوَ كَمَا تَقُولُ: "حِلْيَةُ فَلَانٍ، أَسْمَرُ كَذَا وَكَذَا "فَلَيْسَ "الْأَسْمَر" بِمَرْفُوعٍ بِالْحِلْيَةِ، إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءٌ، أَيْ هُوَ أَسْمَرُ هُوَ كَذَا. قَالَ: وَلَوْ دَخَلَ "أَنَّ "فِي مِثْلِ هَذَا كَانَ صَوَابًا. قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: "مَثَلُكَ أَنَّكَ كَذَا وَأَنَّكَ كَذَا "، وَقَوْلُهُ: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا} [سُورَةُ عَبَسَ: 24، ] مَنْ وَجَّهَ، {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا}، وَمَنْ قَالَ: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ}، أَظْهَرَ الِاسْمَ لِأَنَّهُ مَرْدُودٌ عَلَى "الطَّعَام" بِالْخَفْضِ، وَمُسْتَأْنَفٌ، أَيْ: طَعَامُهُ أَنَّا صَبَبْنَا ثُمَّ فَعَلْنَا. وَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ}، صِفَاتُ الْجَنَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرِيِّينَ: مَعْنَى ذَلِكَ: صِفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [سُورَةُ الرُّومِ: 27]، مَعْنَاهُ: وَلِلَّهِ الصِّفَةُ الْعُلْيَا. قَالَ: فَمَعْنَى الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرَى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، أَوْ فِيهَا أَنْهَارٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَصْفُ الْجَنَّةِ صِفَةُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، أَوْ صِفَةُ فِيهَا أَنْهَارٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَوَجْهٌ آخَرُ كَأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ}، قِيلَ: الْجَنَّةُ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [سُورَةُ النَّمْلِ: 30]، كَأَنَّهُ قَالَ: بِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَقَوْلُهُ: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 56]، فِي ذَاتِ اللَّهِ، كَأَنَّهُ عِنْدَنَا قِيلَ: فِي اللَّهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [سُورَةُ الشُّورَى: 11]، إِنَّمَا الْمَعْنَى: لَيْسَ كَشَيْءٍ، وَلَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: "لَيْسَ كَمَثَلِكَ أَحَدٌ "؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ، وَاللَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ لَبِيَدٍ: إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا *** قَالَ: وَفُسِّرَ لَنَا أَنَّهُ أَرَادَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمَا: قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ: وَقَتْـلَى كِـرَامٍ كَمِثْـلِ الْجُـذُوعِ *** تَغَشَّـاهُمُ سَـبَلُ مُنْهِمـرْ قَالَ: وَالْمَعْنَى عِنْدَنَا: كَالْجُذُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَجْعَلَ لِلْجُذُوعِ مِثْلًا ثُمَّ يُشَبِّهُ الْقَتْلَى بِهِ. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ: زُحَـلٌ وَثَـوْرٌ تَحْـتَ رِجْـلِ يَمِينِـهِ *** وَالنَّسْـرُ لِلْأخْـرَى وَلَيْـثٌ مُرْصِـدُ قَالَ فَقَالَ: "تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ " كَأَنَّهُ قَالَ: تَحْتَ رِجْلِهِ، أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى. قَالَ: وَقَوْلُ لَبِيَدٍ: أَضَـلَّ صِـوَارَهُ وَتَضَيَّفَتْـهُ *** نَطُـوفٌ أَمْرُهَـا بِيَـدِ الشَّـمَالِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَمَرَهَا بِالشَّمَالِ، وَإِلَى الشَّمَالِ؛ وَقَوْلُ لَبِيَدٍ أَيْضًا: حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ *** فَكَأَنَّهُ قَالَ: حَتَّى وَقَعَتْ فِي كَافِرٍ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: هُوَ مِنَ الْمَكْفُوفِ عَنْ خَبَرِهِ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: وَلَهُ مَعْنًى آخَرُ: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى}، مَثَلُ الْجَنَّةِ، مَوْصُولٌ، صِفَةٌ لَهَا عَلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الْمَثَلَ، فَقَالَ {مَثَلُ الْجَنَّةِ}، وَالْمُرَادُ الْجَنَّةُ، ثُمَّ وُصِفَتِ الْجَنَّةُ بِصِفَتِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَثَلَهَا إِنَّمَا هُوَ صِفَتُهُا وَلَيْسَتْ صِفَتُهَا شَيْئًا غَيْرَهَا. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ "الْمَثَلَ "، فَقِيلَ: {مَثَلُ الْجَنَّةِ}، وَمَثَلُهَا صِفَتُهَا وَصِفَةُ الْجَنَّةِ، فَكَانَ وَصْفُهَا كَوَصْفِ "الْمَثَلِ "، وَكَانَ كَأَنَّ الْكَلَامَ جَرَى بِذِكْرِ الْجَنَّةِ، فَقِيلَ: الْجَنَّةُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَرَى مَـرَّ السِّـنِينَ أَخَـذْنَ مِنِّـي *** كَمَـا أَخَـذَ السِّـرَارُ مِـنَ الْهِـلالِ فَذَكَرَ "الْمَرَّ "، وَرَجَعَ فِي الْخَبَرِ إِلَى "السِّنِينَ ". وَقَوْلُهُ: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا}، يَعْنِي: مَا يُؤْكَلُ فِيهَا، يَقُولُ: هُوَ دَائِمٌ لِأَهْلِهَا، لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُمْ، وَلَا يَزُولُ وَلَا يَبِيدُ، وَلَكِنَّهُ ثَابِتٌ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ (وَظِلُّهَا)، يَقُولُ: وَظِلُّهَا أَيْضًا دَائِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شَمْسَ فِيهَا. {تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا}، يَقُولُ: هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، عَاقِبَةَ الَّذِينَ اتَّقَوْا اللَّهَ، فَاجْتَنَبُوا مَعَاصِيَهُ وَأَدَّوْا فَرَائِضَهُ. وَقَوْلُهُ: {وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}، يَقُولُ: وَعَاقِبَةُ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ النَّارُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ أَنْـزَلَنا إِلَيْهِمُ الْكِتَابَ مِمَّنْ آمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ، يَا مُحَمَّدُ، {يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ} مِنْهُ {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}، يَقُولُ: وَمِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُتَحَزِّبِينَ عَلَيْكَ، وَهُمْ أَهْلُ أَدْيَانٍ شَتَّى، مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَ مَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ. فَقُلْ لَهُمْ: {إِنَّمَا أُمِرْتُ}، أَيُّهَا الْقَوْمُ {أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ {وَلَا أُشْرِكَ بِهِ}، فَأَجْعَلُ لَهُ شَرِيكًا فِي عِبَادَتِي، فَأَعْبُدَ مَعَهُ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ، بَلْ أُخْلِصَ لَهُ الدِّينَ حَنِيفًا مُسْلِمًا {إِلَيْهِ أَدْعُوَ}، يَقُولُ: إِلَى طَاعَتِهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ أَدْعُو النَّاسَ {وَإِلَيْهِ مَآبِ}، يَقُولُ: وَإِلَيْهِ مَصِيرِي وَهُوَ "مَفْعَلٌ "، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "آبَ يَؤُوبُ أَوْبًا وَمَآبًا ". وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ}، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرِحُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا بِهِ قَوْلُهُ: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}، يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}، قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَ "الأَحْزَابُ " أَهْلُ الْكُتُبِ يُقَرِّبُهُمْ تحزُّبُهُمْ. قَوْلُهُ: {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ} [سُورَةُ الْأَحْزَابِ: 20] قَالَ: لِتَحَزُّبِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عَنْ مُجَاهِدٍ: {يُنْكِرُ بَعْضَهُ}، قَالَ: بَعْضُ الْقُرْآنِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَإِلَيْهِ مَآبِ}:، وَإِلَيْهِ مَصِيرُ كُلِّ عَبْدٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ}، قَالَ: هَذَا مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ. وَقَرَأَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ} [سُورَةُ يُونُسَ: 40]. وَفِي قَوْلِهِ: {وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ}، قَالَ: "الْأَحْزَابُ ": الْأُمَمُ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ أَنْـزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَنْكَرَهُ بَعْضُ الْأَحْزَابِ، كَذَلِكَ أَيْضًا أَنْـزَلَنَا الْحُكْمَ وَالدِّينَ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَجَعْلَ ذَلِكَ (عَرَبِيًّا)، وَوَصَفَهُ بِهِ لِأَنَّهُ أُنْـزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، فَنُسِبَ الدِّينُ إِلَيْهِ، إِذْ كَانَ عَلَيْهِ أُنْـزِلَ، فَكَذَّبَ بِهِ الْأَحْزَابُ. ثُمَّ نَهَاهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ تَرْكِ مَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِ وَاتِّبَاعِ الْأَحْزَابِ، وَتَهَدَّدَهُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ فَعَلَهُ فَقَالَ: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) يَا مُحَمَّدُ (أَهْوَاءَهُمْ)، أَهْوَاءَ هَؤُلَاءِ الْأَحْزَابِ وَرِضَاهُمْ وَمَحَبَّتَهُمْ وَانْتَقَلْتَ مِنْ دِينِكَ إِلَى دِينِهِمْ، مَا لَكَ مَنْ يَقِيكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِنْ عَذَّبَكَ عَلَى اتِّبَاعِكَ أَهْوَاءَهُمْ، وَمَا لَكَ مَنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُكَ فَيَسْتَنْقِذُكَ مِنَ اللَّهِ إِنْ هُوَ عَاقَبَكَ، يَقُولُ: فَاحْذَرْ أَنْ تَتَّبِعَ أَهَوَاءَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا)، يَا مُحَمَّدُ {رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ} إِلَى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِ أُمَّتِكَ، فَجَعَلْنَاهُمْ بَشَرًا مِثْلَكَ، لَهُمْ أَزْوَاجٌ يَنْكِحُونَ، وَذَرِّيَّةٌ أنْسَلُوهُمْ، وَلَمْ نَجْعَلْهُمْ مَلَائِكَةً لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَنْكِحُونَ، فَنَجْعَلَ الرَّسُولَ إِلَى قَوْمِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِثْلَهُمْ، وَلَكِنْ أَرْسَلَنَا إِلَيْهِمْ بَشَرًا مِثْلَهُمْ، كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى مَنْ قَبِلَهُمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ بَشَرًا مِثْلَهُمْ {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَقْدِرُ رَسُولٌ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّتَهُ بِآيَةٍ وَعَلَامَةٍ، مِنْ تَسْيِيرِ الْجِبَالِ، وَنَقْلِ بَلْدَةٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، وَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}، يَقُولُ: إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ الْجِبَالَ بِالسَّيْرِ، وَالْأَرْضَ بِالِانْتِقَالِ، وَالْمَيِّتَ بِأَنْ يَحْيَا {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}، يَقُولُ: لِكُلِّ أَجَلِ أَمْرٍ قَضَاهُ اللَّهُ، كِتَابٌ قَدْ كَتَبَهُ فَهُوَ عِنْدَهُ. وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ: لِكُلِّ كِتَابٍ أَنْـزَلَهُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ أَجَلٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}، يَقُولُ: لِكُلِّ كِتَابٍ يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ أَجَلٌ، فَيَمْحُو اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [سُورَةُ ق: 19]، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقْرَؤُهُ (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ)، وَذَلِكَ أَنَّ سَكْرَةَ الْمَوْتِ تَأْتِي بِالْحَقِّ وَالْحَقَّ يَأْتِي بِهَا، فَكَذَلِكَ الْأَجَلُ لَهُ كِتَابٌ وَلِلْكِتَابِ أَجَلٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ أُمُورِ عِبَادِهِ، فَيُغَيِّرُهُ، إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، فَإِنَّهُمَا لَا يُغَيَّرَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: يُدَبِّرُ اللَّهُ أَمْرَ الْعِبَادِ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ، إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ [وَالْحَيَاةَ] وَالْمَوْتَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا... ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ غَيْرِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ، فَإِنَّهُمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُمَا. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَالْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَقَبِيصَةُ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابُ}، قَالَ: يُقَدِّرُ اللَّهُ أَمْرَ السَّنَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، إِلَّا الشَّقَاوَةَ وَالسَّعَادَةَ وَالْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ)، قَالَ: إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ وَالسَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ فَإِنَّهُمَا لَا يَتَغَيَّرَانِ. حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ. مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي سَعِيدًا فَأَثْبِتْنِي، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي شَقِيًّا فَامْحُنِي " قَالَ: الشَّقَاءُ وَالسَّعَادَةُ قَدْ فُرِغَ مِنْهُمَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}، قَالَ: يُنْـزِلُ اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ فِي السَّنَةِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ مِنَ الْآجَالِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْمَقَادِيرِ، إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، فَإِنَّهُمَا ثَابِتَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًافَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ دُعَاءَ أَحَدِنَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاءِ فَأَثْبِتُهُ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَشْقِيَاءِ فَامْحُهُ وَاجْعَلْهُ فِي السُّعَدَاءِ "، فَقَالَ: حَسَنٌ. ثُمَّ أَتَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سُورَةُ الدُّخَانِ: 3، 4] قَالَ: يُقْضَى فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ. فَأَمَّا كِتَابُ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغَيَّرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مِنْ كِتَابٍ سِوَى أُمِّ الْكِتَابِ الَّذِي لَا يُغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)، قَالَ: كِتَابَانِ: كِتَابٌ يَمْحُو مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: الْكِتَابُ كِتَابَانِ، كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْكِتَابُ كِتَابَانِ، {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْحُو كُلَّ مَا يَشَاءُ، وَيُثْبِتُ كُلَّ مَا أَرَادَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَثَّامٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أَشْقِيَاءَ، فَامْحُنَا وَاكْتُبْنَا سُعَدَاء، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا سُعَدَاءَ فَأَثْبِتْنَا، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ ". حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أَشْقِيَاءَ فَامْحُنَا وَاكْتُبْنَا سُعَدَاءَ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا سُعَدَاء فَأَثْبِتْنَا، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ ". قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي حَكِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْديِّ، أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَبْكِي: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ شِقْوَةً أَوْ ذَنْبًا فَامْحُهُ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ. وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ، فَاجْعَلْهُ سَعَادَةً وَمَغْفِرَةً. حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَكِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: وَأَحْسِبُنِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي عُثْمَانَ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عِصْمَةَ أَبِي حَكِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَكِيمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ، وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ فَأَثْبِتْنِي فِيهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ الذَّنْبَ وَالشِّقْوَةَ فَامْحُنِي وَأَثْبِتْنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحِذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي [أَهْلِ] الشَّقَاءِ فَامْحُنِي وَأَثْبِتْنِي فِي أَهْلِ السَّعَادَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، يَقُولُ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمَانَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالِهِ، فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو وَالَّذِي يُثْبِتُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ كَانَ سَبْقَ لَهُ خَيْرٌ حَتَّى يَمُوتَ، وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، فَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي فِي السُّعَدَاءِ فَأَثْبِتْنِي فِي السُّعَدَاءِ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ كَعْبًا قَالَ لِعُمَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَأَنْبَأْتُكَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}. حُدِّثْتُ مِنَ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} الْآيَةَ يَقُولُ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، يَقُولُ: أَنْسَخُ مَا شِئْتُ، وَأَصْنَعُ مِنَ الْأَفْعَالِ مَا شِئْتُ، إِنْ شِئْتُ زِدْتُ فِيهَا، وَإِنْ شِئْتُ نَقَصْتُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْكَلْبِيُّ قَالَ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}، قَالَ: يَمْحِي مِنَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ فِيهِ، وَيَمْحِي مِنَ الْأَجَلِ وَيَزِيدُ فِيهِ. قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ! قَالَ: أَبُوَ صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَدِمَ الْكَلْبِيُّ بَعْدُ، فَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}، قَالَ: يَكْتُبُ الْقَوْلَ كُلَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ طَرَحَ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عَلَيْهِ عِقَابٌ، مِثْلَ قَوْلِكَ: أَكَلْتُ، شَرِبْتُ، دَخَلْتُ، خَرَجْتُ، ذَلِكَ وَنَحْوَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ صَادِقٌ، وَيُثْبِتُ مَا كَانَ فِيهِ الثَّوَابُ وَعَلَيْهِ الْعِقَابُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ الْكَلْبِيَّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ نَحْوَهُ، وَلَمْ يُجَاوِزْ أَبَا صَالِحٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ يَنْسَخُ مَا يَشَاءُ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِهِ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا فَلَا يَنْسَخُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، قَالَ: مِنَ الْقُرْآنِ. يَقُولُ: يُبَدِّلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ فَيَنْسَخُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، يَقُولُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَمَا يُبَدِّلُ وَمَا يُثْبِتُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}، هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 106]، وَقَوْلُهُ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}: أَيْ جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} مَا يَشَاءُ، وَهُوَ الْحَكِيمُ {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، وَأَصْلُهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، بِمَا يُنْـزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، (وَيُثْبِتُ) مَا يَشَاءُ مِمَّا يُنْـزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، لَا يُغَيَّرُ وَلَا يُبَدَّلُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، قَالَ: يَنْسَخُ. قَالَ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: الذِّكْرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْحُو مَنْ قَدْ حَانَ أَجَلُهُ، وَيُثْبِتُ مَنْ لَمْ يَجِئْ أَجَلُهُ إِلَى أَجَلِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، يَقُولُ: يَمْحُو مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ فَذَهَبَ، وَالْمُثْبَتُ الَّذِي هُوَ حَيٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلِهِ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، قَالَ: مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ (وَيُثْبِتُ)، قَالَ: مَنْ لَمْ يَجِئْ أَجَلُهُ إِلَى أَجَلِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}، قَالَ: آجَالُ بَنِي آدَمَ فِي كِتَابٍ، {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} مِنْ أَجَلِهِ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ). قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُ اللَّهِ: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}، قَالَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَنْـزَلَ: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [سُورَةُ الرَّعْدِ: 38]: مَا نَرَاكَ، يَا مُحَمَّدُ تَمْلِكُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَقَدْ فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ! فأَنْـزَلْتُ هَذِهِ الْآيَةَ تَخْوِيفًا وَوَعِيدًا لَهُمْ: إِنَّا إِنْ شِئْنَا أَحْدَثْنَا لَهُ مِنْ أَمَرِنَا مَا شِئْنَا، وَنُحْدِثُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَنَمْحُو وَنُثْبِتُ مَا نَشَاءُ مِنْ أَرْزَاقِ النَّاسِ وَمَصَائِبِهِمْ، وَمَا نُعْطِيهِمْ، وَمَا نُقَسِّمُ لَهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَيَغْفِرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ، وَيَتْرُكُ مَا يَشَاءُ فَلَا يَغْفِرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}، قَالَ: يُثْبِتُ فِي الْبَطْنِ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ وَكُلَّ شَيْءٍ، فَيَغْفِرُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْتُ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ وَأَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَوَعَّدَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَاتِ بِالْعُقُوبَةِ، وَتَهَدَّدَهُمْ بِهَا، وَقَالَ لَهُمْ: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}، يُعْلِمُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّ لِقَضَائِهِ فِيهِمْ أَجَلًا مُثْبَتًا فِي كِتَابٍ، هُمْ مُؤَخَّرُونَ إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ ذَلِكَ الْأَجَلِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْأَجَلُ، يَجِيءُ اللَّهُ بِمَا شَاءَ مِمَّنْ قَدْ دَنَا أَجَلُهُ وَانْقَطَعَ رِزْقُهُ، أَوْ حَانَ هَلَاكُهُ أَوِ اتِّضَاعُهُ مِنْ رِفْعَةٍ أَوْ هَلَاكِ مَالٍ، فَيَقْضِي ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ، فَذَلِكَ مَحْوُهُ، وَيُثْبِتُ مَا شَاءَ مِمَّنْ بَقِيَ أَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَأَكْلُهُ، فَيَتْرُكُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يَمْحُوهُ. وَبِهَذَا الْمَعْنَى جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَم قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهُنَّ يَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي السَّاعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْن». حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَنْـزِلُ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ، يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاء». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمسِمِئَةَ عَامٍ، مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا دَفَّتَانِ مِنْ يَاقُوتٍ، وَالدَّفَّتَانِ لَوْحَانِ لِلَّهِ، كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُمِئَةٍ وَسِتُّونَ لَحْظَةً، يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، أَنَّهُ قَالَ: الْعَاشِرُ مِنْ رَجَبٍ هُوَ يَوْمٌ يَمْحُو اللَّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَعِنْدَهُ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ: قُلْتُ: (أُمُّ الْكِتَابِ)، قَالَ: الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فَمَا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: هَذِهِ أُمُّ الْقُرْآنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَعِنْدَهُ جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: كِتَابٌ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، قَالَ: جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَعِلْمُهُ. يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يَنْسَخُ مِنْهُ وَمَا يُثْبِتُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} يَقُولُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَمَا يُبَدِّلُ، وَمَا يُثْبِتُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ، مَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ "أُمِّ الْكِتَابِ " قَالَ: عِلْمُ اللَّهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا خَلْقُهُ عَامِلُونَ، فَقَالَ لِعِلْمِهِ: كُنْ كِتَابًا، فَكَانَ كِتَابًا. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الذِّكْرُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا أَدْرِي فِيهِ ابْنُ جُرَيْجٍ أَمْ لَا قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} قَالَ: الذِّكْرُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: "وَعِنْدَهُ أَصْلُ الْكِتَابِ وَجُمْلَتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}، فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ مَعْنَاهُ: وَعِنْدَهُ أَصْلُ الْمُثْبَتِ مِنْهُ وَالْمَمْحُو، وَجُمْلَتُهُ فِي كِتَابٍ لَدَيْهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (وَيُثْبِتُ) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: "وَيُثَبِّتُ "بِتَشْدِيدِ "الْبَاء" بِمَعْنَى: وَيَتْرُكُهُ وَيُقِرُّهُ عَلَى حَالِهِ، فَلَا يَمْحُوهُ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (وَيُثْبِتُ) بِالتَّخْفِيفِ، بِمَعْنَى: يَكْتُبُ. وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا: إِقْرَارُهُ مَكْتُوبًا وَتَرْكُ مَحْوِهِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالتَّثْبِيتُ بِهِ أَوْلَى، وَالتَّشْدِيدُ أَصْوَبُ مِنَ التَّخْفِيفِ، وَإِنْ كَانَ التَّخْفِيفُ قَدْ يُحْتَمَلُ تَوْجِيهُهُ فِي الْمَعْنَى إِلَى التَّشْدِيدِ، وَالتَّشْدِيدِ إِلَى التَّخْفِيفِ، لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا. وَأَمَّا "الْمَحْوُ "، فَإِنَّ لِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَيْنِ: فَأَمَّا مُضَرُ فَإِنَّهَا تَقُولُ: "مَحَوْتُ الْكِتَابَ أَمْحُوهُ مَحْوًا " وَبِهِ التَّنْـزِيلُ "وَمَحَوْتُهُ أَمْحَاهُ مَحْوًا ". وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ قَبَائِلِ رَبِيعَةَ: أَنَّهَا تَقُولُ: "مَحَيْتُ أَمْحِي.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ، يَا مُحَمَّدُ فِي حَيَاتِكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنَ الْعِقَابِ عَلَى كُفْرِهِمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قَبْلَ أَنْ نُرِيَكَ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى طَاعَةِ رَبِّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِهِمْ رِسَالَتَهُ، لَا طَلَبَ صَلَاحِهِمْ وَلَا فَسَادِهِمْ، وَعَلَيْنَا مُحَاسَبَتُهُمْ، فَمُجَازَاتُهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ مُحَمَّدًا الْآيَاتِ، أَنَا نَأْتِي الْأَرْضَ فَنَفْتَحُهَا لَهُ أَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ حَوَالَيْ أَرْضِهِمْ؟ أَفَلَا يَخَافُونَ أَنْ نَفْتَحَ لَهُ أَرْضَهُمْ كَمَا فَتَحْنَا لَهُ غَيْرَهَا؟
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَصِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَا نَفْتَحُ لِمُحَمَّدٍ الْأَرْضَ بَعْدَ الْأَرْضِ؟ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، يَعْنِي بِذَلِكَ: مَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ. يَقُولُ: فَذَلِكَ نُقْصَانُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: مَا تَغَلَّبْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، هُوَ ظُهُورُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، يَعْنِي أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْتَقَصُ لَهُ مَا حَوْلَهُ مِنَ الْأَرَضِينَ، يَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِكَ فَلَا يَعْتَبِرُونَ قَالَ اللَّهُ فِي "سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ ": {نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ: 44]، بَلْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ هُمُ الْغَالِبُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ فَنُخَرِّبُهَا، أَوَلَا يَخَافُونَ أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ وَبِأَرْضِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ فَنُهْلِكُهُمْ وَنُخَرِّبُ أَرْضَهُمْ؟
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ حَصِينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْقَرْيَةِ تُخَرَّبُ حَتَّى يَكُونَ الْعُمْرَانُ فِي نَاحِيَةٍ؟ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: {نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: خَرَابُهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: خَرَابُهَا وَهَلَاكُ النَّاسِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْفَرَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: نُخَرِّبُ مِنْ أَطْرَافِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: نَنْقُصُ مِنْ بَرَكَتِهَا وَثَمَرَتِهَا وَأَهْلِهَا بِالْمَوْتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} يَقُولُ: نُقْصَانُ أَهْلِهَا وَبِرْكَتِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: فِي الْأَنْفُسِ وَفِي الثَّمَرَاتِ، وَفِي خَرَابِ الْأَرْضِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ الْقَنَّادِ، عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ قَالَ: لَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ تُنْقَصُ لَضَاقَ عَلَيْكَ حُشُّكَ، وَلَكِنْ تُنْقَصُ الْأَنْفُسُ وَالثَّمَرَاتُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَتَطَرَّفُهُمْ بِأَخْذِهِمْ بِالْمَوْتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: مَوْتُ أَهْلِهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: الْمَوْتُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ النَّحْوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: هُوَ الْمَوْتُ. ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ تُنْقَصُ لَمْ نَجِدْ مَكَانًا نَجْلِسُ فِيهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: كَانَ عِكْرِمَةُ يَقُولُ: هُوَ قَبْضُ النَّاسِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ عَنْ نَقْصِ الْأَرْضِ قَالَ: قَبْضُ النَّاسِ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ لَمَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ جُبًّا يَخْرَأُ فِيهِ. حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، قَالَ: الْمَوْتُ. وَقَالَ آخَرُونَ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} بِذَهَابِ فُقَهَائِهَا وَخِيَارِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَهَابُ عُلَمَائِهَا وَفُقَهَائِهَا وَخِيَارِ أَهْلِهَا. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَوْتُ الْعُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}، بِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَقَهْرِهِمْ أَهْلَهَا، أَفَلَا يَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ فَيَخَافُونَ ظُهُورَهُمْ عَلَى أَرْضِهِمْ وَقَهْرَهُمْ إِيَّاهُمْ؟ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَوَعَّدَ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُولَهُ الْآيَاتِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ {)، ثُمَّ وَبَّخَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِسُوءِ اعْتِبَارِهِمْ مَا يُعَايِنُونَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بضُرَبَائِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْأَلُونَ الْآيَاتِ، فَقَالَ: (} أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) بِقَهْرِ أَهْلِهَا، وَالْغَلَبَةِ عَلَيْهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَجَوَانِبِهَا، وَهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَ بِمَا يَرَوْنَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}، يَقُولُ: وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَيَقْضِي فَيَمْضِي قَضَاؤُهُ، وَإِذَا جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حُكْمُ اللَّهِ وَقَضَاؤُهُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدَّهَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}: لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ، "وَالْمُعَقِّبُ "، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، هُوَ الَّذِي يَكُرُّ عَلَى الشَّيْءِ. وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، يَقُولُ: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ يُحْصِي أَعْمَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ جَزَائِهِمْ عَلَيْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَلَفَتْ بِأَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ {فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا}، يَقُولُ: فَلِلَّهِ أَسْبَابُ الْمَكْرِ جَمِيعًا، وَبِيَدِهِ وَإِلَيْهِ، لَا يَضُرُّ مَكْرُ مَنْ مَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا مَنْ أَرَادَ ضُرَّهُ بِهِ، يَقُولُ: فَلَمْ يَضُرَّ الْمَاكِرُونَ بِمَكْرِهِمْ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ضَرُّوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَسْخَطُوا رَبَّهُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَتَّى أَهْلَكَهُمْ، وَنَجَّى رُسُلَهُ: يَقُولُ: فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ يَمْكُرُونَ بِكَ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللَّهُ مُنَجِّيكَ مِنْ مَكْرِهِمْ، وَمُلْحِقُ ضُرَّ مَكْرِهِمْ بِهِمْ دُونَكَ. وَقَوْلُهُ: {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ}، يَقُولُ: يَعْلَمُ رَبُّكَ، يَا مُحَمَّدُ مَا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ، وَمَا يَسْعَوْنَ فِيهِ مِنَ الْمَكْرِ بِكَ، وَيَعْلَمُ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ}، يَقُولُ: وَسَيَعْلَمُونَ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ عَاقِبَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ حِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ، وَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الْجَنَّةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ: فَقَرَأَتْهُ قَرَأَةُ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْبَصْرَةِ: "وَسَيَعْلَمُ الْكَافِرُ " عَلَى التَّوْحِيدِ. وَأَمَّا قَرَأَةُ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُمْ قَرَءُوهُ: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ}، عَلَى الْجَمْعِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ، الْقِرَاءَةُ عَلَى الْجَمِيعِ: {وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ} لِأَنَّ الْخَبَرَ جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ، وَأَتْبَعَ بَعْدَهُ الْخَبَرَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} وَبَعْدَهُ قَوْلُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا}. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "وَسَيَعْلَمُ الْكَافِرُونَ "، وَفَى قِرَاءَةِ أُبِيٍّ: " {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} " وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ مَا اخْتَرْنَا مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ لَسْتَ مُرْسَلًا! تَكْذِيبًا مِنْهُمْ لَكَ، وَجُحُودًا لِنُبُوَّتِكَ، فَقُلْ لَهُمْ إِذَا قَالُوا ذَلِكَ: (كَفَى بِاللَّهِ)، يَقُولُ: قُلْ حَسْبِي اللَّهُ (شَهِيدًا)، يَعْنِي شَاهِدًا (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)، عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ، بِصِدْقِي وَكَذِبِكُمْ {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}. فَـ "مَنْ " إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قَرَأَتْهُ قرَأَةُ الْأَمْصَارِ بِمَعْنَى: وَالَّذِينَ عِنْدَهُمْ عِلْمُ الْكِتَابِ أَيِ الْكُتُبِ الَّتِي نـَزَلَتْ قَبْلَ الْقُرْآنِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَسَّرَ ذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحيَّاةَ يَحْيَى بْنُ يَعْلَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: نـَزَلَتْ فِيَّ: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}. حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أُنْـزِلَ فِيَّ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، فَالَّذِينَ عِنْدَهُمْ عِلْمُ الْكِتَابِ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قَالَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْإِنْسِ، وَلَمْ يُسَمِّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا}، قَالَ: قَوْلُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا يَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ وَيُقِرُّونَ بِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، كَمَا يُحَدَّثُ أَنَّ مِنْهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قَالَ: كَانَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَأُونَهُ: "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ "، بِمَعْنَى: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ. ذِكْرُ مَنْ ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْهُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} "، يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} " قَالَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} "قَالَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ وَقَدْ حَدَّثَنَا هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ}" قَالَ: هُوَ اللَّهُ هَكَذَا قَرَأَ الْحَسَنُ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} ". قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} " قَالَ: اللَّهُ قَالَ شُعْبَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَكَمِ، فَقَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ زَاذَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} "، قَالَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَوْذَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} "، قَالَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: " {وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} " قَالَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقْرَؤُهَا: " {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ} "، يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ وَجُمْلَتُهُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرٌ: "عُلِمَ الْكِتَابُ " وَأَنَا أَحْسِبُهُ وَهِمَ فِيهِ، وَأَنَّهُ: "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ "؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ "وَجُمْلَتُهُ "، اسْمٌ، لَا يُعْطَفُ بِاسْمٍ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ هَارُونَ: "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ "، يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ "أَهْوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ! قَالَ: وَكَانَ يَقْرَؤُهَا: "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَاب" يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} أَهْوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالَ: فَكَيْفَ وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ؟ وَكَانَ سَعِيدٌ يَقْرَؤُهَا: "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ ". حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي عَبَّادٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ وجُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَا "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ "، قَالَ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ بِتَصْحِيحِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرًا، وَذَلِكَ مَا:- حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هَارُونَ الْأَعْوَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ "وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الْكِتَابُ "، عِنْدِ اللَّهِ عُلِمَ الْكِتَابُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ عِنْدَ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَكَانَتْ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}، كَانَ التَّأْوِيلُ الَّذِي عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا خَالَفَهُ، إِذْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مُجْمِعُونَ أَحَقَّ بِالصَّوَابِ. "آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الرَّعْدِ ".
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {الر كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَبَرِيُّ: قَدْ تَقَدَّمَ مِنَّا الْبَيَانُ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: " الر "، فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {كِتَابٌ أَنْـزَلَنَاهُ إِلَيْكَ} فَإِنَّ مَعْنَاهُ: هَذَا كِتَابٌ أَنْـزَلَنَاهُ إِلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يَقُولُ: لِتَهْدِيَهُمْ بِهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ، إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَضِيَائِهِ، وَتُبَصِّرَ بِهِ أَهْلَ الْجَهْلِ وَالْعَمَى سُبُلَ الرَّشَادِ وَالْهُدَى. وَقَوْلُهُ: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) يَعْنِي: بِتَوْفِيقِ رَبِّهِمْ لَهُمْ بِذَلِكَ وَلُطْفِهِ بِهِمْ {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} يَعْنِي: إِلَى طَرِيقِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ، وَشَرْعُهُ لِخَلْقِهِ. وَ (الْحَمِيدِ)، "فَعِيلٌ "، صُرِفَ مِنْ "مَفْعُولٍ "إِلَى" فَعِيلٍ "، وَمَعْنَاهُ: الْمَحْمُودُ بِآلَائِهِ. وَأَضَافَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِخْرَاجَ النَّاسِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ لَهُمْ بِذَلِكَ، إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْهَادِي خَلْقَهُ، وَالْمُوَفِّقُ مَنْ أَحَبَّ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ، إِذْ كَانَ مِنْهُ دُعَاؤُهُمْ إِلَيْهِ، وَتَعْرِيفُهُمْ مَا لَهُمْ فِيهِ وَعَلَيْهِمْ. فَبَيِّنٌ بِذَلِكَ صِحَّةُ قَوْلِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ الَّذِينَ أَضَافُوا أَفْعَالَ الْعِبَادِ إِلَيْهِمْ كَسْبًا، وَإِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنْشَاءً وَتَدْبِيرًا، وَفَسَادُ قَوْلِ أَهْلِ الْقَدَرِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ صُنْعٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، أَيْ مِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى الْهُدَى.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ وَالشَّأْمِ: " {اللَّهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ} "بِرَفْعِ اسْمِ "اللَّه" عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَتَصْيِيرِ قَوْلِهِ: {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ}، خَبَرَهُ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (اللَّهِ الَّذِي) بِخَفْضِ اسْمِ اللَّهِ عَلَى إِتْبَاعِ ذَلِكَ (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، وَهُمَا خَفْضٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَأْوِيلِهِ إِذْ قُرِئَ كَذَلِكَ. فُذِكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ بِالْخَفْضِ. وَيَقُولُ: مَعْنَاهُ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ [اللَّهِ] الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ. وَيَقُولُ: هُوَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَيُمَثِّلُهُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: " مَرَرْتُ بِالظَّرِيفِ عَبْدِ اللَّهِ "، وَالْكَلَامُ الَّذِي يُوضَعُ مَكَانَ الِاسْمِ النَّعْتُ، ثُمَّ يُجْعَلُ الِاسْمُ مَكَانَ النَّعْتِ، فَيَتْبَعُ إِعْرَابُهُ إِعْرَابَ النَّعْتِ الَّذِي وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: لَـوْ كُـنْتُ ذَا نَبْـلٍ وَذَا شَـزِيبِ *** مَـا خِـفْتُ شَـدَّاتِ الْخَـبِيثِ الـذِّيبِ وَأَمَّا الْكِسَائِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ: مَنْ خَفَضَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ كَلَامًا وَاحِدًا، وَأَتْبَعَ الْخَفْضَ الْخَفْضَ، وَبِالْخَفْضِ كَانَ يَقْرَأُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَئِمَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَرَأَهُ بِالرَّفْعِ أَرَادَ مَعْنَى مَنْ خَفَضَ فِي إِتْبَاعِ الْكَلَامِ بَعْضَهُ بَعْضًا، وَلَكِنَّهُ رَفَعَ لِانْفِصَالِهِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 111، ]. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} اللَّهِ الَّذِي يَمْلِكُ جَمِيعَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. يَقُولُ لِنَيَّيْهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ لِتَدْعُوَ عِبَادِي إِلَى عِبَادَةِ مَنْ هَذِهِ صَفَتُهُ، وَيَدْعُوا عِبَادَةَ مَنْ لَا يَمْلِكُ لَهُمْ وَلَا لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ. ثُمَّ تَوَعَّدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ كَفَرَ بِهِ، وَلَمْ يَسْتَجِبْ لِدُعَاءِ رَسُولِهِ إِلَى مَا دَعَاهُ إِلَيْهِ مِنْ إِخْلَاصِ التَّوْحِيدِ لَهُ فَقَالَ: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يَقُولُ: الْوَادِي الَّذِي يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ جَهَنَّمَ، لِمَنْ جَحَدَ وَحْدَانِيَّتَهُ، وَعَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ، مِنْ عَذَابِ اللَّهِ الشَّدِيدِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ}، الَّذِينَ يَخْتَارُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَاعَهَا وَمَعَاصِيَ اللَّهِ فِيهَا، عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى رِضَاهُ مِنَ الْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ فِي الْآخِرَةِ {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، يَقُولُ: وَيَمْنَعُونَ مَنْ أَرَادَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يَقُولُ: وَيَلْتَمِسُونَ سَبِيلَ اللَّهِ وَهِيَ دِينُهُ الَّذِي ابْتَعَثَ بِهِ رَسُولَهُ (عِوَجًا): تَحْرِيفًا وَتَبْدِيلًا بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ. "وَالْعِوَجُ " بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، فِي الدِّينِ وَالْأَرْضِ وَكُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ قَائِمًا، فَأَمَّا فِي كُلِّ مَا كَانَ قَائِمًا، كَالْحَائِطِ وَالرُّمْحِ وَالسِّنِّ، فَإِنَّهُ يُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ جَمِيعًا "عَوَجٌ ".
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: {أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ. يَقُولُ: هُمْ فِي ذَهَابٍ عَنِ الْحَقِّ بِعِيدٍ، وَأَخْذٍ عَلَى غَيْرِ هُدًى، وَجَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ "عَلَى "فِي قَوْلِهِ: (عَلَى الْآخِرَةِ)، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: أَوْصَلَ الْفِعْلَ بِـ "عَلَى" كَمَا قِيلَ: " ضَرَبُوهُ فِي السَّيْفِ "، يُرِيدُ بِالسَّيْفِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ يُوصَلُ بِهَا كُلِّهَا وَتُحْذَفُ، نَحْوَ قَوْلِ الْعَرَبِ: "نَـزَلْتُ زَيْدًا "، وَ"مَرَرْتُ زَيْدًا "، يُرِيدُونَ: مَرَرْتُ بِهِ، وَنَـزَلْتُ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَدْخَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَاهُ مِنَ الْأَفْعَالِ، فَفِي قَوْلِهِ: {يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} مَعْنَاهُ يُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ "عَلَى ". وَقَدْ بَيَّنْتُ هَذَا وَنَظَائِرَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ، بِمَا أَغْنَى عَنِ الْإِعَادَةِ.
|